الاثنين، 21 أغسطس 2017

الاديب الكاتب ،، الدكتور صالح العطوان الحيالي

إحراق طارق بن زياد لإسطول المسلمين هل هي حقيقة ام تشويه لسمعته والرد على الافتراءات
ــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي 18-8-2017
منذ وطئت أقدامُ المسلمين أرض الأندلس، وهم يعيشون في نزاع دائم مع سكان البلاد الأصليين، وقد ظلت السيوفُ مشرعة بين الفريقين طوال مدة حكم الولاة ، ويطلق اسم عصر الولاة على الفترة التي أعقبت الفتح الإسلامي للأندلس ودامت ستة وأربعين عاماً (92 ـ 138 هـ). وتبدأ هذه الفترة بطارق بن زياد، ثم بموسى بن نصير، ثم بابنه عبد العزيز، وتنتهي بيوسف الفهري سنة 138 هـ. وقد ولي الأندلس في هذه الفترة اثنان وعشرون والياً ، فمنهم من كان يُعيّنهم خلفاء بني أمية في دمشق، ومنهم من كان يعيّنهم والي إفريقية في القيروان، وكانوا يختلفون قوةً وضعفاً، واستقامة وانحرافاً. وفي هذه الفترة توغل المسلمون الفاتحون في بلاد إسبانية وفتحوا بلاداً جديدة كبرشلونة  ، وقشتالة  ، ثم فتحوا جزءاً من فرنسة بقيادة عبد الرحمن الغافقي، فوصلوا إلى مدينة ليون (  وما زالوا يتقدمون في قلب فرنسة حتى بلغوا تور   ولكن شارل مارتل اعترضهم بجموع الفرنجة في سهول بواتيه ، وقتل في تلك المعركة، التي يسميها العرب بَلاط الشهداء قائدهم عبد الرحمن الغافقي، وكثيرون معه، وكان في ذلك سنة 144 هـ(732م). ولم يقتصر عصر الولاة على الحروب بين المسلمين والنصارى في أوربة بل حدث شقاق عظيمٌ في المسلمين أنفسهم ، فقد كانت هناك نزاعات وحروب داخلية على أشدها بين العرب والبربر تارة، وبين العرب أنفسهم تارة أخرى، ولاسيما بين القيسية واليمانية، ثم بين مؤيدي الأمويين والعباسيين. لهذا كله كان عصرُ الولاة عصراً مضطرباً، وكانت السمات السياسية فيه، هي: الحروب والصراع، وعدم الاستقرار، مما جعل القلق يدبُّ في أوصال المجتمع، ويفكّك قوّته ويصدّع تَماسكه .‏
وفي هذا العصر بدأت الخيوطُ الأولى لفجر الأدب الأندلسي، فقد عرف عصر الولاة شذرات من الشعر والنثر قالها أدباء من الطارئين على الأندلس ، كانت بمثابة خيوط الفجر الأولى التي تؤذن بصبح مشرق. ويبدو أنَّ أوَّل نص أدبيّ عربيّ تردد في الأندلس هو هذه الخطبة وأبيات شعرية أخرى قالها طارق بن زياد في الفتح، وقد أوردها المقري في النفح ‏
الشخصية
ــــــــــــــ
هو طارق بن زياد وُلد سنة 50 هـ/640م، وتولّى طنجة سنة 89هـ/707م، ثم فتح الأندلس سنة 92 هـ/710م. أما وفاته فكانت على الأرجح سنة 102 هـ. وقد اختلف في نسبه، ولكن أرجح الأقوال أنَّه بربريُّ قُحٌّ، ولكنه كان على صلةٍ بالعروبة والإسلام منذ زمن ليس بالقصير، فقد ذكر له ابن عذاري أبوين في الإسلام، فاسمه الكامل: طارق بن زياد بن عبد الله، ويبدو أنّه ليس هو الذي أسلم أولاً بل والدُه وجدُّه الذي يكون قد انتقل إلى المشرق، وهناك نشأ طارق في بيئة عربية إسلامية، مع احتفاظه بلهجة أجداده البربرية، ثمَّ جُنّد بعد ذلك في جيش موسى بن نصير، وجاء معه إلى المغرب، وكان من أشد رجاله .‏
الظرف:‏
ــــــــــ
أمّا الظرف الذي قيلت فيه الخطبة فهو كما ذكر ابن خلكان والمقري، أنَّ طارق بن زياد لمّا استقر بأرض الأندلس، وبلغ دنوّ لذريق منه قام في أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم حثَّ المسلمين على الجهاد ورغّبهم في الشهادة، ثم قال: "أيها الناس، أين المفر..."  . أمّا ابن هذيل الأندلسي، وهو من أهل القرن الثامن الهجري، الثالث عشر الميلادي، فأورد لنا رأياً آخر عن الظرف الذي قيلت فيه الخطبة، خالف فيه ابن خلكان والمقري، وغيرهما من المؤرخين، فقال: "... فاقتتلوا ثلاثة أيَّام أشد قتال، فرأى طارق ما الناس فيه من الشدة، فقام يعظهم ويحضهم على الصبر ويرغبهم في الشهادة ثم قال: أين المفر؟ البحر من ورائكم والعدو أمامكم..."  ‏
لقد عاشت الخطبة في المصادر المغربية والمشرقية التاريخية والأدبية، كتاريخ عبد الملك بن حبيب ، المتوفى سنة 238 هـ/ 852م والإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة ، المتوفى سنة 276هـ/ 889م، وسراج الملوك للطرطوشي ، المتوفى سنة 520هـ/ 1126م، وريحان الألباب وريعان الشباب في مراتب الآداب لأبي محمد عبد الله المواعيني الإشبيلي ، عاش في عصر الموحدين، ووفيات الأعيان لابن خلكان ، المتوفى سنة 681هـ/1282م، وتحفة الأنفس وشعار أهل الأندلس لعلي بن عبد الرحمن بن هذيل ، وهو من أهل القرن الثامن الهجري، ونفح الطيب للمقري ، المتوفى سنة 1041هـ/1631م.‏
وقد وردت الخطبة في هذه المصادر بنصوص متشابهة حيناً ومختلفة حيناً آخر، ولكنّها نالت شهرتِها بفضل ابن خلكان الذي نقل حرفيات الخطبة عن مصدر لم يذكره، ثمَّ أخذها عنه المقري، فأورد لنا نصّاً "منقحاً ومشذباً" عما كان يتناقله المؤرخون والكُتّاب في تآليفهم ومصَنّفاتِهم خلال عَصرهِ من أخبار تتعلق بالإطار البنائي والأدبي للخطبة دون مناقشتها وتحليلها .‏
تُعرفُ هذه الخطبة في الكتب المدرسية باسم "خطبة طارق بن زياد" أو "خطبة طارق في الترغيب في القتال" ، وليس هذا العنوان جُزْءاً أصيلاً في الخطبة، وإنَّما هو عنوان وضعه لها، اجتهاداً، بعض المنتقين للتمييز بينها وبين خطب الآخرين، وهذا يعني أنَّ هؤلاء المنتقين قد أقرّوا أنَّ لطارق خطبة واحدة، ونحن لا نشاطرهم الرأي في ذلك، لأنّنا نعرف أنَّ ما وصلنا من مصادر قديمة قليل جداً، وأنَّ ما وصلنا فيها من أخبار ونصوص ليس غير جزء ضئيل مِمَّا كنا ننتظر وما زلنا ننتظر أن يأتينا يومٌ يُكشفُ فيه النقابُ عن تراثنا الدَّفين، ولعلّنا نكتشفُ عندئذٍ أنَّ لطارق خُطباً أخرى وأشعاراً أخرى، كما ذكرت بعض المصادر
نص الخطبة
ــــــــــــــــــ تذكر الروايات التاريخية أن طارقاً لما عبر للضفة الأخرى من الشاطئ الأسباني ، و لكي يقطع على جنوده أي تفكير في التراجع أو الارتداد ، قام و خطب فيهم خطبته الشهيرة التي يقول فيها  : "أيّها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدوُّ أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدقُ والصبر، واعلموا أنّكم في هذه الجزيرة أضيَعُ من الأيتام، في مأدُبَة اللئام، وقد استقبلكم عدوّكم بجيشه وأسلحته، وأقواتُهُ موفورة، وأنتم لا وَزَرَ لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات إلاَّ ما تستخلصونه من أيدي عدوّكم، وإن امتَدّت بكم الأيام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمراً ذهبت ريحكم ، وتعوّضت القلوب من رُعبها منكم الجراءة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بِمُناجزة  هذا الطاغية، فقد ألقت به إليكم مدينَتُه الحصينة، وإنّ انتهاز الفُرْصَة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت، وإنّي لم أحذِّركم أمراً أنا عنه بنَجْوة ، ولا حملتكم على خُطة أرخصُ متاع فيها النفوسُ (إلاَّ وأنا) أبدأ بنفسي، واعلموا أنّكم إن صَبرتم على الأشق قليلاً، استمعتم بالأرْفَه الألذِّ طويلاً، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حَظّكم فيه بأوفى من حظّي، [وقد بلغكم ما أنشأتْ هذه الجزيرةُ من الحور الحسان، من بنات اليونان، الرافلات في الدر والمَرْجان، والحُلَل المنسوجة بالعِقْيان ، ا لمقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان]، وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أميرُ المؤمنين من الأبطال عُرْبانا ، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهاراً وأختانا ، ثقةً منه بارتياحكم للطّعان ، واستماحكم بمُجالدة الأبطال والفُرسان، ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته، وإظهار دينه بهذه الجزيرة، وليكون مَغْنَمُها خالصة لكم من دونه ومن دون المؤمنين سواكم، والله تعالى وليُّ إنجادكم على ما يكون لكم ذكراً في الدارين، واعلموا أني أوّل مجيبٍ إلى ما دعوتكم إليه، وأنّي عند مُلْتَقى الجمعين حاملٌ بنفسي على طاغية القوم لذريق فقاتِلهُ إن شاء الله تعالى، فاحملوا معي، فإن هلكت بعده فقد كفيتكم أمره، ولم يُعْوزكم بطلٌ عاقل تسندون أموركم إليه وإن هلكتُ قبل وصولي إليه فاخلفوني في عزيمتي هذه، واحملوا بأنفسكم عليه، واكتفوا الهمَّ من فتح هذه الجزيرة بقتله، فإنِهم بعده يُخْذَلون".‏
و الروايات الإسلامية التي تشير إلى حادثة حرق السفن لم ترد – فيما أعلم – إلا في ثلاثة مراجع أحدها : كتاب الاكتفاء لابن الكردبوس ، و الثاني : كتاب نزهة المشتاق للشريف الإدريسي ، والثالث : كتاب الروض المعطار للحميري .
فابن الكردبوس بعد أن يصف المعركة التي خاضها طارق لاحتلال هذا الجبل الذي سمي باسمه ، يقول في اختصار شديد : ( ثم رحل طارق إلى قرطبة بعد أن أحرق المراكب وقال لأصحابه : قاتلوا أو موتوا ) . الاكتفاء لابن الكردبوس (ص46-47) .
أما الإدريسي فإنه يقول في شيء من التفصيل : ( وإنما سمي بجبل طارق لأنه طارق بن عبد الله بن ونمو الزناتي ، لما جاز بمن معه من البربر و تحصنوا بهذا الجبل ، أحس في نفسه أن العرب لا تثق به ، فأراد أن يزيح ذلك عنه ، فأمر بإحراق المراكب التي جاز بها فتبرأ بذلك عما اتهم به ) . نزهة المشتاق ( ص 36) .
و يكرر صاحب الروض المعطار رواية الإدريسي مع اختلاف بسيط و لكنه هام ، فيقول : ( و ‘نما سمي بجبل طارق لأن طارق بن عبد الله لما جاز بالبربر الذين معه ، تحصن بهذا الجبل ، و قدر أن العرب لا ينزلونه ، فأراد أن ينفي عن نفسه التهمة فأمر بإحراق المراكب التي جاز فيها ، فتبرأ بذلك مما اتهم به ) . الروض المعطار للحميري (ص 75 ) .و مما يفهم من رواية ابن الكردبوس أن طارق أراد بحرق سفنه أن يشحذ همم المقاتلة . أما الإدريسي والحميري فإنه يفهم من كلامهما أن طارقاً أحس بأن العرب لا تثق به ، و قدر أنهم قد لا ينزلون معه إلى الجبل ، و هذا يعني أن خلافاً وقع بين طارق وبين جنوده العرب الذين يعملون تحت قيادته ، فعمد إلى إغراق سفنه كي يحول دون انسحابهم بها إلى المغرب ، فيتخلص بذلك من التهم التي يوجهونها ضده عند القائد الأعلى موسى بن نصير .
و كيفما كان الأمر فإن جمهور المؤرخين المحدثين يميلون إلى إنكار صحة هذه الرواية من أساسها كحدث تاريخي ، غير أن هناك من يؤيد وقوع هذه الحادثة خصوصاً وأن هناك روايات مشابهة وردت في كتب التاريخ قديماً و حديثاً تشير إلى وقوع أحداثاً مماثلة . و الآن سأورد أدلة المؤرخين الذين يثبتون القصة ، ثم أتبعه بأدلة النافين و الترجيح بينهما .
أدلة المثبتين للقصة :
ـــــــــــــــــــــ
1- فمن الأمثلة القديمة التي يستدل بها المثبتون لهذه القصة : بموقف أرياط الحبشي الذي عبر البحر إلى اليمن ، حيث أحرق سفنه و ألقى على جنده خطبة تشبه خطبة طارق في جنوده ، و موقف القائد الفارسي وهرز الذي بعثه كسرى مع سيف بن ذي يزن إلى اليمن لتحريرها من الأحباش ، و قد أحرق سفنه أيضاً و قال لجنوده كلاماً مشابهاً لكلام طارق . راجع : الطبري (2/119) .
2 – و لعل اقرب مثال لذلك هو تلك القصة التي يرويها أبو بكر المالكي من أن فاتح جزيرة صقلية المشهور أسد بن الفرات ( ت 212هـ ) أراد هو الآخر حرق مراكبه حينما ثار عليه بعض جنوده و قواده ، و طالبوه بالانسحاب من الجزيرة والعودة إلى القيروان . راجع : كتاب رياض النفوس في طبقات علماء القيروان و أفريقية و زهادهم و نساكهم و سير من أخبارهم و فضائلهم (1/188-189) .
3 – و هناك قصة مماثلة يقدمها لنا التاريخ الأسباني و بطلها هو القائد أرنان كورتس الذي فتح المكسيك سنة ( 1519م ) ، فيروى أن هذا القائد الأسباني اكتشف مؤامرة دبرها جماعة من قواده للهرب بالسفن إلى أسبانيا ، عندئذ أمر كورتس بإنزال الجنود و الأمتعة إلى الشاطئ الأمريكي ، ثم دس من خرق السفن و أغرقها ليلاً كي يحول دون تنفيذ هذه المؤامرة . راجع : كتاب في تاريخ المغرب و الأندلس لأحمد مختار العبادي (ص62-63) .
أدلة النافين للقصة :
ــــــــــــــــــــــ
1 – أن طارق بن زياد لا يمكن أن يقطع وسيلة النجاة للعودة ، خاصة وأنه في أرض مجهولة ولا يعلم مصيره و لا مصير جنوده .
2 – أن طارق بن زياد أرسل إلى موسى بن نصير يطلب منه الإمدادات بعد أن عبر و تواجه مع جيش القوط هناك ، فأرسل له موسى بن نصير خمسة آلاف مقاتل ، والسؤال هناك كيف استطاع موسى أن ينقل كل هذه الأعداد إذا كان طارق قد أحرق السفن ؟!
3 – و يمكن أن يقال أيضاً : و هل تستطيع المصانع الإسلامية أن توفر سفن تنقل خمسة آلاف مقاتل في تلك الفترة الوجيزة ، إن كان طارقاً قد أحرق السفن .
4 – و لو قلنا مثلاً أن تلك السفن التي أحرقها طارق هي مراكب يوليان حاكم سبتة ، فبأي سلطة يقدم طارق على إحراق سفن الرجل ؟
5 – و كيف لطارق أن يتصرف في أموال الدولة على هواه ، بل يجب عليه أن يستأذن الخليفة في هذا الصنيع ، ولا يتصرف بنفسه .
6 – ثم إن طارقاً و جيشه يقاتلون من أجل عقيدة ، و إنهم من ساعة عبورهم جاءوا مجاهدين مستعدين للشهادة ، و طارق متأكد من هذه المعاني .
الترجيح :
ــــــــــ
من خلال النظر في أدلة المثبتين و المنكرين للقصة ، يتضح لنا ضعف أدلة المثبتين ، لأنه ليس كل ما هو مشهور صحيح ، بمعنى أنه ليست كل تلك القصص التي استدل بها الفريق الأول صحيحة ، و إن اعتقدنا فرضاً بصحة تلك القصص ، فلا يعني هذا أن يقدم طارق على حرق سفنه لأنه قد سبقه أناس آخرون بهذه الفعلة .
و إذا نظرنا إلى تعليل المنكرين للقصة نجدها صحيحة تتمشى مع خطط القائد الفاتح ، الذي يدرك مدى خطورة إقدامه على فعل كهذا .
وإن دوافع المعاني الإسلامية و الهدف الذي جاء الجيش من أجله لأهوى من الاندفاع من أي سبب آخر ، و ما كان المسلمون يتخلفون عن خوض معركة أو تقديم أنفسهم لإعلاء كلمة الله ، و المصادر الأندلسية – لا سيما الأولى – لا تشير إلى قصة حرق السفن التي لا تخلوا من علاقة وارتباط بقصة الخطبة .
- أما من ناحية الخطبة التي ألقاها طارق على جنوده ، فقد وردت في عدة مراجع مثل تاريخ عبد لملك بن حبيب ( ص 222) ، و كتاب نفح الطيب للمقري (1/225) ، و كتاب الإمامة و السياسية المنسوب لابن قتيبة (2/117) ، و كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان (4/404) .
أما عامة المراجع الإسلامية فإنها تمر عليها بالصمت التام باستثناء عبارة ابن الكردبوس التي تلخص الخطبة في كلمتين فقط : ( قاتلوا أو موتوا ) .
و قد شك بعض المؤرخين المحدثين في نسبة هذه الخطبة إلى طارق ، على اعتبار أنها قطعة أدبية فريدة لا يقدر طارق على صياغتها ، كما لا يقدر جنوده على فهمها لأنهم جميعاً – القائد و جنوده – من البربر .
على أن هذا التعليل وإن كان يبدو منطقياً و معقولاً ، إلا أنه لا يمنع من أن طارقاً قد خطب جنده على عادة القواد الفاتحين في مختلف العصور ، وإن كنا نعتقد في هذه الحالة أن الخطبة لم تكن باللغة العربية ، وإنما كانت باللسان البربري كما يسميه المؤرخون القدامى .ثم جاء كتاب العرب بعد ذلك ، فنقلوها إلى العربية في شيء كثير من الخيال و الإضافة والتغيير على عادتهم .
و من هذا نرى أنه ليس بعيداً بالمرة أن يكون طارق قد خطب جنوده البربر بلسانهم ، إذ أنه من غير المعقول أن يخاطبوا في ساعات الوغى و في مقام الجد بلغة لم يتعلموها أو يفهموها ، فكان استعمال اللسان البربري في هذا الموقف ضرورة لإحراز التأثير المطلوب والفائدة العاجلة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق