قصة (تالا)
قصة حقيقية في ضواحي حلب
الكون كله يراه الوالد عبارة عن حلكة من ظلم وظلام كيفما التفت ، والنور تسربل بسربال أسود كالح ليس فيه إلا طاقة صغيرة هي ابنته (تالا) ، يرى فيها اشراقة الكون ، فتاة في الخامسة عشرة من عمرها أحبها حبا خالط وجدانه وكل مواطن الحس فيه ، يرمقها تغدو وتروح كعصفورة جميلة فلا يبتسم إلا عندما يراها ، رآها تمشي مع رفيقتها باتجاه المدرسة ، ولكن يدا آثمة قطفت زهرة كونه البكر ، عندما صدم سائق مجنون صاحبتها ، فأصيبت تالا بالذعر والرعب فماتت تالا بعد يومين ، ولكن صديقتها شفيت ، وأصبح فؤاد والد تالا خاليا ، كان الأمر مهولا جدا ، فراق على غفلة ، أصيب الأب بحزن شديد وهجر فراش زوجه وأطلق لحيته وغارت العينان واصفر الوجه وانتقع اللون ، كانت تأتيه زوجته بالطعام فيقول أعطيني طبق تالا لعلها تأكل معي ويضع الطبق امامه ويأخذ منه لقمة فيغص بالبكاء ويقوم ، يذهب إلى قرآنه ليتلو فيه فيرى صورة تالا بين السطور ، كثر المواسون له يخففون عنه ولكنهم ما استطاعوا لذلك سبيلا ، ثم زاره صديقه آخر مرة ليخفف عنه فقال الأب : لقد دعوت الله منذ قليل إما أن ينسيني تالا أو يلحقني بها ، وما إن غادر الصديق حتى عاد الأب إلى قرآنه ليقرأ فيه وكأنه رأى تالا بين السطور فأكب بوجهه على مصحفه وذهبت روحه إلى الله
تأثرت بالقصة فكتبتها شعرا على مجزوء بحر الهزج لغاية في نفسي ، أرجو أن تنال استحسانكم
(تالا)
عرفتُ اليومَ عن تالا ودمعُ العينِ قد سالَ
فتاةٌ ناهدٌ تجري كظبيٍ رائعٍ مالَ
إلى حضنٍ بدفءٍ قد شكا شوقاً وقد غالَ
أبوها حالمٌ فيها وعندَ الظهرِ قد قالَ (١)
شروقُ الشمسِ إن جاءت ولونُ البدرِ إنْ آلَ (٢)
صحيباتٍ مَشين في طريقِ العلمِ إنْ طالَ
فجاءت عتمةُ الحزنِ وللأفراحِ قد شالَ
أصيبتْ صنوةُ الريمِ فماتت بعدها تالا
وجاء الهمّ كالسبعِ على الأكبادِ قد مالَ
أبوها صار في حزنٍ دماً يبكي على تالا
يرى أطيافها تأتي كما لو أنّهُ ثالَ (٣)
على قرآنهِ يجثو وفي أوراقهِ تالا
فراشُ الزوجِ مهجوراً علينا الدهرُ قد دالَ (٤)
دعى مولاهَ في قولٍ إلهي أنسني تالا
إذا لم تُنسني فاقضي عساني أنْ أر ى تالا
إلى قرآنهِ عاد رأى نوراً وقد لالا (٥)
فهذا وجهُ من أهوى وهذا الخدُّ ما زالَ
هوى في رأسهِ يرمي للثمٍ والهوى نالَ
ففاضت روحه عشقاً أخيراً جئتُ يا تالا
بقلم
عبدالمجيد حاج مواس
(١) قال : من القيلولة
(٢) آل : عاد ورجع
(٣) ثال : أصيب بالجنون
(٤) دال : انقلب الزمان
(٥) لالا : من تلألأ أي لمع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق