وليمة الحروف..
بقلمي د/أمل درويش.
ليست مجردَ مجموعةِ أوراقٍ وأقلامٍ، تدعوك على وليمةِ الحروف لتنتقي منها ما تشاء..
ليست أيّة فكرةٍ تلتقطها من وعاءٍ وتعود، فتخبرك بما تودّ سماعه وتنقل ما تشاء..
إنه صراعُ البقاء..
بقاءُ هذا الحرف في الصفِّ الأول، في مصافِ الحروفِ النقيّة التي تعبّر عمّا في القلوبِ دون زيفٍ أو رياء..
فكم من حروفٍ سقطتْ بعدما سطعتْ في الفضاء لوهلةٍ ولكن ما إنْ بدَتْ للعيون خفتتْ ووهنتْ..
وكم من حروفٍ بدتْ مُنمّقةً ومِن الكياسةِ اختزنتْ وعكستْ، وفي أولِ منحنىٰ من زيفها تعرّتْ وتحررتْ..
لن أكتبَ لمجردِ التواجد، أو لأقول أنا هنا..
فربما غبتُ عنكم بعد حينٍ لا يعلمه سوىٰ الله، ولكن يبقى حرفي بالقلوب ساكنًا..
فكيفَ تُراكم ستذكرونني؟
وكيف يكون الأثر؟
أبحرفٍ متلوِّنٍ يترامىٰ علىٰ كلِّ شاطيءٍ بِخبر؟
أم بحرفٍ لا يتحول مهما انضغط أو عُصر؟
وكم هم كُثُر أصحابُ الأقلامِ الملونة، يعرفون جيدًا أصولَ اللعبةِ، وعلى كلِّ صفحةٍ لهم توقيعٌ بلون..
هذا الأزرقُ البارد كجمودِ المشاعر وفتورِ العلاقات، يمنحك فقط للمجاملة مساحاتٍ..
وهذا الأخضرُ يفتح لك كل الأبواب، طريقك ممهّد بكل التسهيلاتِ..
وأما الأسود فهو في صحيفتك نقطة سوداء، لن تمحوها كل أعذار البشر..
وأما الأحمر فهو علامة الخطر..
إيّاك ثم إيّاك من الإقتراب؛ فهذه منطقةٌ محفوفةٌ بالألغام..
والداخل فيها لا يلوم سوىٰ جهله؛ فليس للشرفاء ثمنٌ في هذا الزمان..
لا تخف، بقاؤك على هامش السطر يعني أنك بأمان، اكتب ولكن لا تقطع وريدًا أو شريانًا، بعضُ النقاطِ هنا وهناك، علامةُ استفهامٍ لا ضرر، أو حتى علامة تعجب!
نقطة ومن أول السطر نعتبرها دائمًا فاتحةَ خير، مازال هناك مساحات للتفاوض، لن نغلق أبدًا كل الأبواب..
المصلحة واحدة..
ننتقي حروفنا كلٌّ علىٰ حسبِ شهيته، ولكن إيّاك من الإفراط..
فالتخمة ستودي بك إلى مقبرة الحروف، ولن يُنجيك منها أحد، وتذكر جيدًا: قد أعذر من أنذر..
وتبقى هكذا في صراعاتك منذ الغروب وحتى انطلاق صيحات مدفع الإفطار، تفيق من غفوتك على صوته وتنسىٰ فيمَ كنت تفكر، وما إن تجلس على مائدة الحروف تنطلقُ شهيتك لتلتقط مالذ وطاب من هنا وهناك دون أن تفكر..
على سجيتك تغزو الفضاء، فمنذ متى حسبتها قبل أن تكتب؟ مَن ستُرضي ومَن سيغضب؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق